هذا الرأس الذي استقر قرب دولاب سيارة وسط
الغبار والأشلاء والصراخ كان رأس سلوى . منذ دقيقتين كانت تقف على الرصيف تنتظر
زوجها الذي أوقف سيارته بعيداً. إبتسمت لي بمودة وهي تحتضن ابنها الرضيع بين يديها
مسرورة بأمومتها الجديدة.
هذه البقعة البنية الصغيرة من الدم العتيق
على حافة الدرج، هي من رقبة خالد إبن الجيران الذي كان يلعب معنا وصعد إلى منزله
على عجل ليتغدى بسرعة ويعود. خرج خالد على شرفة البيت ليطل علينا من فوق ليطمئن
بأننا لم ننهي اللعب فأنهته رصاصة طائشة. حمل خاله جسده البض ونزل به على الدرج بجنون ويده
على رقبة خالد تحاول كبح جماح الدم والروح.
هذا عصام الخياط لم يتكلم مع أحد منذ 25
عاماً، يعيش داخل حزن أعمق من الكون. وقعت قذيفة هاون قربه. أخذت أعوام إبنه
الثلاث ومزقت هامته الصغيرة، بينما هو لم تمسه شظية بجرح واحد ولم تقطر منه نقطة
دم.
هذا إسم ليلى حامد إبنة ناظر المدرسة على
ورقة النعي، لم أصدق عيني، هرعت إلى البيت وطلبت رقم بيتها وتجرأت وسألت عنها. كان
صوتاً مضرجاً بالدموع: "ليلى ماتت ماتت قتلوها ولاد الكلب" البارحة قصفت
إسرائيل قرب تعاونية صبرا، وقتلت ليلى، والدها وأخيها. من بين قضبان الحديد التي
تفصل مدرسة البنات عن مدرستنا سألتني أول بنت بخجل عن إسمي وكان إسمها ليلى.
هذا أبو سعيد سبعيني يعمل سائقاً عنده 8 أحفاد، ألاده الستة فقدهم في الحرب وعلى دفعات، إثنان قتلا وثلاثة خطفوا وواحد
سافر وخطفته الغربة. كان يجلس إلي ويطلب مني أن أروي له بالتفصيل الممل كل حكاياتي
مع إبنه الأصغر فريد الذي كان رفيقي في باص المدرسة. فريد كان عمره 13 عاماً
عندما رموه من الطابق السادس نكاية بأخيه الكبير سعيد.
هذا 13 نيسان الذي خطف طفولتي وطفولة
الكثيرين من جيلي. هذا الذي لا يتداركه الكثيرون ويعتبرونه نزهة أو ركلتين تأديب للآخر
ليشبعوا الحيوان الغبي الذي في داخلهم. هناك عمر لم أعشه بعد. هناك حساب مفتوح
بيني وبين هذا اليوم المشؤوم كي لا يعود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق